الفرعون - عصر بداية الأسرات

ويعتبر عصر بداية الاسرات عصر تكوين بالنسبة لأوضاع الحكم ونظم الإدارة المصرية , ولفظ التكوين هنا يعنى معنيين : أحدهما أن العصر كان لايزال محدود المطالب والوسائل بالنسبة للعصور التى تلته , ولهذا اكتفى بما يفى دنياه الخاصة من النظم والمناصب والادارات , وثانيهما هو أن تنظيمات العصر على الرغم من بساطتها أصبحت أساسا لأغلب التنظيمات الكبيرة التى قامت بعدها وتطورت عنها فى عصور الدولة القديمة .


الفرعون :
كان الفرعون منذ عصر بداية الأسرات هو رأس الدولة قولا وعملا , تركزت السلطات العليا كلها فى قصره الذى كان يسمى (( برعو )) و (( برنيسو ))وبلغ من سلطانه الرسمى ما يمكن التعبير عنه بمثل تعبير لويس الرابع عشر ملك فرنسا فى عهد مجد الملكية المقدسة فيها : أنا الدولة والدولة أنا , على أن القول بمثل هذه السلطة الرسمية الواسعة للحاكم المصرى الأعلى ليس من الضرورى أن يؤدى إلى الإسراف فى الربط بين سلطاته وتسميته بالفرعون وبين ربوبيته لازمة ادعاها لنفسه او حكم جائر وسلطة غاشمة تصرف بمقتضاها , فلفظ فرعون لم يكن فى بدايته أكتر من لفظ إصطلاحى إدارى كتب فى صورته المصرية (( برعو )) بمعنى البيت العالى أو القصر العظيم , أى قصر الحكم المركزى الرئيسى فى الدولة الذى كان يتجه الجميع إليه فى حالات الرغبة والرهبة والطاعة والإستشارة جميعا .
ثم إمتد مدلول (( برعو )) فاصبح يطلق على القصر وساكنه تماما كما أصبح عليه الحال خلال الحكم العثمانى بعد آلاف السنين من حيث التعبير بلفظ (( الباب العالى )) عن قصر السلطنة وبالتالى عن السلطان نفسه , بل ولايزال هذا حال لغة الصحافة حين تتحدث عن سياسة البيت الأبيض الأميركى مثلا وتعنى بها سياسة حكامه , ومع الزمن إعتاد المصريون على أن يطلقوا لفظ برعو على كل ملك مصرى إلى جانب إسمه الشخصى ( بما يشبه لقب قيصر عند الرومان والبيزنطيين ولقب النجاشى عند الأحباش ) , وحرف العبرانيون لفظ برعو إلى (( فرعو )) لاختلاط الباء بالفاء فى اللهجات القديمة ثم أضافت اللغة العربية إليه نونا أخيرة .
وهكذا لم يكن لفظ فرعون وجمعه ( فراعنة ) يدل على لون معين من الحكم او على جنس معين من السكان كما يشيع الخطأ , وإذا كان القرآن الكريم قد وصف الفرعون الذى عاصر موسى عليه السلام بأوصاف التجبر والطغيان وإدعاء الربوبية فعلينا أن نصدق وأن نؤمن بكل ما وصفه به ولكن ليس علينا بطبيعة الحال أن نعمم صفاته على كل الفراعنة , لاسيما وأن القرآن الكريم لم يأب أن يصف عزيز مصر الذى عاصر يوسف عليه السلام بأوصاف أخرى طيبة فالحكام فى كل مجتمع وكل زمان وأيا كانت ألقابهم يتعاقب من العادل والظالم , الصالح والطالح وهكذا كان شأن الحكام المصريين وغير المصريين .