العلاقة ببلاد النهرين - عصر بداية الأسرات

ورتب عدد من الباحثين نشاط التأثير بين بلاد النهرين وبين مصر فى أوائل هذا العصر على أساس وجود شىء من التشابه بين بعض الاساليب المعمارية والزخرفية والأسطورية فى انتاج كل من البلدين , مثل إسلوب المشكاوات أى الدخلات الرأسية العميقة المتعاقبة على مسافات متساوية فى واجهات المبانى اللبنية , وفكرة تصوير أبطال أسطوريين يفصلون بين حيوانات مفترسة ويخضعونها , وفكرة إستخدام أختام اسطوانية صغيرة منقوشة للختم بها على سدادات الاوانى الفاخرة وربما على الوثائق ايضا
, وفكرة نقش وتصوير حيوانات خرافية ذات أعناق طويلة مقوسة لغرض الزخرف أو للتعبير عن الأساطير , واستنتج بعض أولئك الباحثين من صور التشابه استنتاجات شتى لا يخلو بعضها من إسراف , وقد ناقشناها بتفصيل فى كتابنا الاول عن حضارة مصر القديمة وآثارها , وانتهينا من مناقشتها إلى أن الأٍاليب والأفكار السابقة وإن تشابهت من حيث دواعى نشأتها فى كل من البلدين , إلا أنها تمايزت فى كل منهما فى طريقة تنفيذها وفى أغراضها وفى مجالات استعمالها , مما يوحى بأن كلا منهما قد نمت وتطورت فى أحضان حضارة أهلها المحلية وسايرت تقاليدهم الخاصة فى الصناعة والزخرف والتعبير , بغير ضرورة إلى الظن بتأثير لازم من أحد البلدين فيها على البلد الآخر , وإن لم يحل هذا إطلاقا دون إفتراض استمرار الصلات الحضارية العادية بين الطرفين بطرق مباشرة أو عن طريق وسطاء , أو إفتراض تقليد بعض الصناع والفنانين فى كل من البلدين زخارف البعض الاخر تقليدا شخصيا حرا .


وانقضى عصر بداية الاسرات بمظاهره الحضارية حوالى عام 2780 ق.م , بعد انتقال أزمة الحكم من أسرته الثانية إلى أفرع حاكم جديد يتصل بها برابطة الدم والنسب , وانقضت بعده قرون طويلة ظل المصريون خلالها يردون إليه بعض معارفهم وعلومهم القديمة , فتضمنت بردية طبية من الدولة الحديثة فصلا طبيا فيها ردته إلى عهد الملك دن والذى ذكرته باسم سمتى , وذكرت كتب الموتى أن فصلا منها وجد فى زمن قديم فى البهو الكبير لقصر الملك نفسه , وذكر المؤرخ المصرى مانيتون أن الملك جر والذى ذكره باسم أثوثيس ألف كتابا فى التشريح وكان بارعا فى الطب , وذكر المؤرخ ديودور الصقلى أن الكهان أخبروه بأن منى كان أول من علم الناس أسلوب الحياة المهذبة وطقوس العبادة وأؤشدهم إلى فوائد البشنين وكيف يصنعون الخبز منه .


وليس من ضرورة بطبيعة الحال إلى ألأخذ بحرفية هذه الاخبار , فقد يكون الغرض منها هو رغبة أصحابها المصريين فى صبغ معارفهم بصبغة القداسة عن طريق ردها إلى أصول قديمة عريقة , ولكن حسبنا منها أن ذكريات عصر بداية الاسرات ظلت ماثلة فى أذهان المصريين , يعتزون بها وينسجون القصص والأساطير حولها .