الحكام والإدارة - عصر بداية الأسرات

الحكام والإدارة :
توفرت لمصر معرفة الكتابة حين توفر لها الإعتباران الآخران اللذان أسلفناهما وهما تجانس الحضارة ووحدة الحكم والسياسة خلال القرن الثانى والثلاثين ق.م أو نحوه , وبدأ فيها منذ ذلك الحين عصر جديد سمى بعدة أسماء إصطلاحية كان منها عصر (( بداية العصور التاريخية )) على أساس وجود المصادر التاريخية الخطية بين آثاره نتيجة لشيوع الكتابة فيه وبداية إستقرار الوحدة السياسية والنظم الإدارية فى أيامه كأساس لما أتى بعدها , وإسم (( عصر بداية الأسرات )) على إعتبار أنه أول عصر يمكن تأكيد إستقرار وراثة عرش مصر
منذ أيامه بين أسرات حاكمة إرتبط ملوكها بعضهم البعض بروابط القرابة وصلة الدم , ثم إسم (( العصر العتيق )) إشارة إلى قدمه البعيد وسبقه لعصور الدولة القديمة , أخيرا إسم (( العصر الثنى )) نسبة إلى مدينة ثنى التى يبدو أنها كانت مسقط رأس أوائل ملوكه وأكبر عواصم ملكهم المتحد فى الصعيد بعد مدينة نخن.


وتضمن العصر عهود الأسرتين الحاكمتين الأوليين من أسرات مصر الفرعونية وإرتبط تأسيس حكم الأسرة الأولى منها بثلاثة أسماء ملكية وهى أسماء (( نعرمر و عحا و منى )) , وقد دارت حولها مناقشان تاريخية حديثة معقدة نتجاوز عن تفاصيلها ونكتفى هنا عنها بما إنتهينا إليه بشأنها فى كتابنا عن حضارة مصر القديمة وآثارها , وهو إحتمال دلالة الأسماء الثلاثة على ملك واحد بدأ حكمه بإسم نعرمر ثم تلقب بلقب عحا أى المحارب إعتزازا بجهوده الحربية فى توطيد ملكه كما تلقب أخيرا بلقب منى بمعنى المثبت أو الراعى أو الخالد تنويها بنجاحه فى تثبيت ملكه ورعايته له وخلود إسمه فيه . ثم تتابع بعده ستة ملوك من أسرته ـسموا بأسماء (( جر- واجى - دن - عنجإب - سمرخت - قاى عا )) مع مترادفات كثيرة لألقابهم لاتزال هى الأخرى موضعا للجدل اللغوى والجدل التاريخى حتى الآن .


وتتابع بعد هؤلاء ملوك الأسرة الحاكمة الثانية وكانوا ثمانية ملوك على أقل تقدير إن لم يكن أكثر تسموا على الترتيب بأسماء (( حوتب سخموى - نبى رع - نى نثر - بر إبسن - ونج - سنج - خع سخم - خع سخموى )) وكان لكا إسم تعبيره الذى يدل به على شخصية صاحبه وعلى روح عصره.


وسلك أوائل أولئك الفراعنة سياسة حكيمة فى الربط بين الصعيد والدلتا بعد اتحادهما عن طريق المصاهرة وازدواج الألقاب والإشتراك فى عبادة الأرباب , فتزوج أولهم نعرمر بإحدى سليلات البيت الحاكم القديم فى الدلتا وهى نيت حوتب وتزوج رابعهم دن بأميرة أخرى من الدلتا تدعى مريت نيت وتمتعت كل من الملكتين بمكانة طيبة دلت عليها الآثار الباقية بإسميهما من عهديهما وربما تكرر الأمر نفسه بالنسبة لملوك آخرين وزوجاتهم , وسمح الفراعنة للوجه البحرى بشخصية متميزة فى إدارته تحت ظل التاجين فخصصوا له بيت مال وحامل أختام وأهراء غلال ودار وثائق وانتسبوا إلى ربته الحامية (( واجة )) وإلى شعاره النحلة (( بيت )) جنبا إلى جنب مع ربة الصعيد نخابة وشعاره (( سو )) وشغف أغلبهم شغفا شديدا بالأعياد الدينية والتقليدية شأنهم فى ذلك شأن غيرهم من مؤسسى الدول الجديدة أملا فى اتخاذ مناسباتها سبيلا لإكتساب الشهرة وتجميع الخواص حولهم وتذكير الناس بهم مع إظهار تقواهم وكرمهم خلال إحتفالهم بها , فرددت حولياتهم احتفاءهم بأعياد آلهة كثيرة مثلت أغلب مناطق أرضهم ورمزت إلى أغلب وجوه النشاط فى حياة أهل عصرهم , وكانت أهم أعيادهم الخاصة أعياد إرتقاء العرش وأعياد التجلى كل عامين وأعياد ذكرى توحيد الوجهين ثم عيد السد أو (( حب سد )) على حد تعبير المصريين ربما بمعنى عيد النهاية , وكان من المفروض أن يحتفل الفرعون به بعد ثلاثين من بداية حكمه أو من بداية إختياره لولاية العهد ويقيم فيه مراسيم وطقوسا يشكر أربابه بها على ما وهبوه من طول العمر وطول الحكم ويعتقد هو أو يعتقد رعاياه أنه يستطيع عن طريق الطقوس والمراسيم أن يجدد بأسه ويستزيد من القدرة على مواصلة الحكم , وجرت العادة على أن يتحين الفرعون مناسبة هذا العيد ويقيم لأربابه معابد وهياكل جديدة ويقدم لهم تماثيل جديدة عساهم يحققوا أمله ويؤيدوا حكمه , ولم يكن الفراعنة يلتزمون بفترة الثلاثين عاما دائما , وإنما كانوا يتحينون لعيدهم كل فرصة تهيأ لهم فيها نصر عظيم , أو خرجوا فيها من مأزق شديد , وربما أكثر من مرة طالما توفر لهم امتداد الحكم وسعة الامكانيات .