النشاط الحدودى والخارجى - عصر بداية الأسرات

النشاد الحدودى والخارجى :
لم تقتصر مصادر عصر بداية الاسرات على تصوير وجوه النشاط الداخلى وحده , وإنما صورت نقوش العصر وآثاره وجوه نشاط أخرى حدودية وخارجية , سلمية و حربية .

فمن أدلة الاتصالات الجنوبية انه عثر على اسم الملك جر ثانى ملوك الاسرة الاولى مسجلا على صخور جبل الشيخ سليمان قرب وادى حلفا , وذلك ما يحتمل
تفسيره باستاع التبادل التجارى لدولته مع منطقة النوبة التى لم تكن قد اكتمل تمصرها حضاريا بعد , أو ببلاد السودان التى تقع وراءها , واتساع نشاط حكومته فى استغلال مناجم الذهب فى وادى حلفا , وقيام جيشه بحماية هذا الاستغلال أو ذلك التبادل , وقد استمرت جهود العهود التالية على نفس السبيل .

وتعين على حكام العصر أن يتيقظوا للحدود الصحراوية الشرقية والغربية , وأن يكفلوا حماية المتاجر والقوافل وبعثات المناجم والمحاجر التى تجوس خلالها , عن طريق تعويد بدوها الرحل على الطاعة والتعاون والسلام , وأثرت لأغلب فترات العصر جهود فى هذا السبيل منذ عهد الملك عحا الذى رمزت مناظر صلابته الى كثرة من واردات الواحات الغربية دلت على انها كانت حينذاك وفيرة المراعى والشجيرات والانعام , ونقش اسم الملك واجى على صخرة قريبة من البحر الاحمر فى نهاية واد يصل بينه وبين ادفو , وذلك مما يعنى استغلال أحجار ومعادن الوادى فى عهده واستغلاله كطريق للتجارة المتبادلة بين النيل والبحر الاحمر .

وسجلت بطاقة فى عهد دن أخبار نصره على أهل الشرق لاول مرة , كما قال كاتبها , كما سجلت بطاقات من عهد ولده عنجإب نشاطا مماثلا ضد قوم أطلقت عليهم اسم الإونتيو ربما بمعنى أصحاب العمد , ويغلب الظن أنهم كانوا من الاقزام الشرقيين الذين أشارت إليهم بطاقة أبيه , أى من بدو الصحراء الشرقية وبدو سيناء وربما ما ورائها أيضا .

وتاكدت اتصالات مصر بأطراف غرب آسيا , فاستورد المصريون أخشاب الأرز والصنوبر من فينيقيا واستخدموها فى تسقيف مقابر ملوكهم فى منطقة أبيدوس , وربما استخدموها كذلك فى صناعة السفن الكبيرة منذ عهد عحا , واستوردوا الزيوت والخمور فى أوان فخارية فاخرة من جنوب سوريا , واعتبرت الدكتورة كانتور هذا الواردات بمثابة جزى وردت الى مصر من المناطق الخاضعة لها حينذاك فى سوريا وفلسطين , وذهب الباحثون دى روج و يادن و ويل الى ان مصر كانت لها حصون وعمليات دفاعية من المناطق الاسيوية منذ عهد نعرمر وخلال عهود خلفائه جر و دن و قاى عا , واستدلوا على نشاطها هناك من صورة حصن نقشت على صلاية نعرمر , ومن ذكر اسم حصن يدعى باب عن , وآخر يدعى ونة فى جنوب فلسطين , على آثار العصر نفسه , وقد لا نستطيع تأييد هذه الاستنتاجات بأدلة قاطعة , وإن كنا نعترف بوجود قرائن توحى بها فى نقوش الملوك وفى حوليات حجر باليرمو , وعثر فى مقابل هذه الواردات على صادرات مصرية فى ميناء جبيل بلبنان الحالية , وكانت اكبر مركز للتبادل التجارى مع مصر فى غرب آٍيا , واصبحت بعض السفن المصرية المتعاملة معها أو المصنوعة بأخشابها تسمى بأحيانا الكبنية أى الحبيلية , ويرى الاستاذان بترى و شارف أن هذه الميناء ظلت واسطة الاتصال التجار المصريين ببحر إيجه وبالتجار الكريتيين فى نفس العصر , وعثر بترى فى أبيدوس على أوان تشبه زخارفها زخارف الأوانى الإيجية , وان كنا نرى ان تأكيد التبادل مع الكريتيين فى ذلك العصر البعيد لا يخلو من الشك , لا سيما لأهل كريت الذى لم تكن حضارتهم ذات شأن حينذاك , وقد زاد شارف فذكر أن المصريين قد وصلوا الى كريت راسا بوسائلهم الخاصة .